"طفلي"

"طفلي"
ها هو ينهض من جديد
يمزق خيوط العنكبوت  التي كبلته منذ زمن
يرفع الستارة عن مسرح الأحلام
بدأ بالتجديف بين قصاصات الشوق
يستعمل شرايين حبه كحبال العودة
يجتاز الواقع بومضة من السحر
يصل إلى مدن
كان فيها كالزورق
الزورق الذي غرق من كبر شراعه
الزورق الذي لم يرسو يوماً
إلا على ساحل الحب
زورق عرف مرافئ بعيدة
مرافئ كثيرة
مرافئ من الرمال المتحركة
مرافىء صنعت من دموعي
مرافئ دمغت بدمي
حتى غرق.
وكانت الأيام تعرفه
كل الأيام تعرفه
كل الماضي من صنعه
وها هو الماضي مرسوماً على وجنتيه
ها هو الدمع يقطر من شفتيه
والدم من عينيه
هذا الدم الذي يميل إلى لون
يا ليتهم صنفوه من بين الألوان
ويتقطر الدم أشكالاً مثيرة
أشكالاً مفرحة
أشكالاً شهوانية
أشكالاً بريئة
ويا ليتها هندسية
يعرف كل شيء إلا القواعد
يعرف كل شيء خلف المستطاع
يعرف كل شيء خلف الحاضر والواقع
لكنه لا يعرف الدنيا.
تهور آلاف المرات
وكان ينجو
كيف ينجو
لم يهرب يوماً وكان ينجو
لم يعرف حدود الأشياء
أو ظروف الأشياء
أو مستقبل الأشياء
لم يعرف التفكير يوماً
وكان ينجو
لم يعرف الهم يوماً
وكان ينجو
أما أنا  هربت آلاف المرات
وفكرت آلاف المرات
سكنت الهم آلاف المرات
فتشت عن حدود كل الأشياء
حللت ظروف كل الأشياء
نظرت إلى المستقبل كثيراً
ولم أنج
لم أنج يوماً
من مرارة الأحياء
ومن مرارة الأموات
صارع القدر ونهض من جديد
صارع الدهر والأيام
والأحياء والأموات
ونهض من جديد
صارع كل ملائكة الجان
ونهض من جديد
أما أنا فلم أصارع أحداً
وغرقت من جديد.
وها أنا الآن أغرق
انه يندهني  انه يذكرني
أنا صارعت الأحاسيس
والرغبات والشهوات
والعواطف كلها
فكيف أنجو
أحببت وقلت أنني لا أحب
هويت وقلت أنني لا أهوى
عشقت وقلت أنني ما عشقت
بكيت وقلت أنني ما بكيت
فهل تقترب البسمة من كذا مخادع
ها هو يعرف عن نفسه بأنه الطفل
يقول أنه طفلي
فكيف أصدقه وأنا ما صدَقت
وما صدّقت
كيف أتركه يحيا وأنا ما حييت
قال صدّقني
قال أشياءً قليلة
لكنني لم أفهمها
وأنا تعودت على تحليل آلاف الأشياء
وفهم آلاف الأشياء
لكنني الآن أدركت أنني لم أفهَم يوماً
ولم أفهِم يوماً
فيا ليت كل الأطفال مثل طفلي
يبكون الحكمة
لا يأبهوا لشيء
يفرحون ويفرحون ويفرحون
يحبوا  لا يعرفون اليأس
لا يكبرون ولا يهجرون.
.~ .~ .~